لا أدري لماذا ننسى أو نتناسى أن البناء الصالح لا يمكن أن يشيد على فراغ من العلم بالأصول والقواعد، وأن الأشجار المتميزة المعطاء ما هي إلا نتيجة بذرة صغيرة احتضنتها تربة صالحة ورعتها مياه زلال. وما أن نتجه بأنظارنا نحو السالب من الأمور، حتى نجد أن النار التي قد تأكل الأخضر واليابس، قد نشأت من جمرة صغيرة أو شرر تطاير هنا أو هناك.
وما غرضي من هذه المقدمة إلا أن أقول لنفسي ولقارئي إن كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، وإننا كأعضاء في مجتمعات نامية ما علينا إلا أن نلعب دور الراعي وكذلك دور الفرد في تلك الرعية معاً. لعل هذا الإحساس الذي لا شك سوف يرقى إلى درجة الوعي يغرس بذرة الإيجابية في نفوسنا، وقلوبنا، وعقولنا حتى نحتمل العمل وسط مجموعة غافلة من حولنا قد تتطاول علينا إلى حدود الاستخفاف أحياناً، وربما "العرقلة" لأننا نحمل السلم بالعرض -كما يسموننا- وهو قدَر لابد من قبوله، حتى لا نساهم في حرق أنفسنا.
في ظني أن هذا الحس هو ما يجب أن يكون الدافع للتقارب لتشكيل فرص تؤسس للمجتمع المدني الفاعل، بعيداً عن الأضواء والقتال على المراكز كما يحدث في جمعيات النفع العام المهنية والذي طال مؤخراً حتى العمل الخيري ونقله من خانة الفعل المجتمعي العام الشامل إلى خانة التحزّب للفكر المؤطر وتأصيل وجوده كمنطق وحيد يحيط به المدى المحدود، والذي يتحرك باتجاه أهداف مرسومة. الأمر الذي ساهم في بناء مجتمعات صغيرة وسط المجتمع الكبير، بل وحكومات صغيرة في مواجهة الحكومة الأم. لكن هذا لا ينفي وجود مجموعة متميزة من الجمعيات التنموية، وكذلك اللجان الخيرية والمَبَرَّات وسط غياب "الرأي" من حملة السلم بالعرض.
ربما لأنني رافضة صلبة لليأس والتشاؤم فإنني أرى في اللجنة الوطنية لدعم التعليم وصندوقها الوقفي الذي أنشأته لهذا الغرض، ضوءاً لآخر النفق. أرى هذا لعدة أسباب أولها كون المجموعة تكونت من جميع ألوان الطيف الكويتي اقتصادياً واجتماعياً ويحمل كل واحد منهم جديته وحرصه على إصلاح التعليم ما استطاع إليه سبيلا. كذلك كونها أهلية، ولكن يرأسها فخرياً وزير التربية والتعليم العالي بحكم منصبه.
وفي زيارة ودية لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح، قدم وزير التربية والتعليم العالي أعضاء اللجنة ومجلس أمناء الوقفية. وقد فاجأهم سموه بقوله غيّروا أساليب التعليم حتى تتلاءم مع متطلبات العصر، وهم الذين ظنوا أنهم سوف يدافعون عن وجهة نظرهم بأهمية تعديل وتقويم وإصلاح التعليم وربما يضطرون لإقناعه بعدم ملاءمة الموجود على الساحة التعليمية في الوطن لمتطلبات العصر. فإذا هو يسبقهم جميعاً ويرى في مجموعتهم كتلة إيجابية جديدة يحتاجها الوطن للمساهمة في التغيير المنشود.
كم من الوقت نحتاج؟ كم من الجهد؟ كم من المال؟
أعتقد أن أهم المعضلات إنما هي أهمية ازدواجية المسار ما بين الترميم والإصلاح الجذري.
إنه مجال جديد لحمل السلم بالعرض وبالعربي للتحدي. ولكن مسار الألف ميل يبدأ دائماً بخطوة.
والتعليم يستحق الجهد الجهيد لأنه لبِنة بناء الإنسان، والإنسان لبنة بناء الوطن.